المحامي احمد مجيد الحسن
تعد نقابة المحامين العراقيين من المنظمات المهنية الرائدة في العراق، حيث لم تسبقها اي منظمة بهذا الاسم، إنما اسست منظمات تحت مسمى جمعية، (كالجمعية الطبية البغدادية) سنة 1920 و(جمعية اصحاب الصنائع) سنة 1929) وغيرها.
وبالرغم من ذلك، فان تأسيسها يعد متأخراً نصف قرن عن قيام أول نقابة للمحامين في الدولة العثمانية – التي كان العراق جزءاً منها – التي اسست سنة 1882 بموجب نظام (وكلاء الدعاوى) الصادر سنة 1876 وهو ما كان يطلق على المحامين آنذاك، الذي نص على تأسيس جمعية لوكلاء الدعاوى (المحامين).
وتعد نقابة المحامين من الصروح المهنية المهمة التي أثرت كثيراً في الوعي الوطني والسياسي والثقافي والديمقراطي في العراق منذ تأسيسها سنة 1933.
وساهم ابناؤها في تأسيس وبناء العراق الحديث، منذ انبثاق الحكم الوطني سنة 1921 الى اليوم، فلقد تسنموا المناصب العليا، كرئاسة الوزراء والوزارات ورئاسة وعضوية مجلسي النواب والاعيان في العهد الملكي، فضلاً عن سائر الوظائف المهمة الأخرى.
وامتد ذلك الامر الى العهد الجمهوري في جميع ادواره والى الان، في تسنم الوظائف العليا التي ذكرت انفاً وغيرها كرئاسة الجمهورية وعضوية المجلس الوطني ومجلس النواب الحالي.
وبالرغم من صدور نظام المحامين سنة 1918 ثم صدور قانون نقابة المحامين سنة 1925الذي نص على تأسيس نقابة المحامين في (المادة/2)، إلا أن النقابة لم تؤسس، واستمرت وزارة العدلية تتولى الاشراف على إدارة شؤون المحامين بموجب النظام المذكور، وكان وزير العدل هو المرجع لجميع ما يتعلق بتنظيم شؤون المحامين والمحاماة ودام ذلك تسع سنوات بعد صدور القانون.
وبعد نيل العراق الاستقلال الرسمي بدخوله عضواً في (عصبة الأمم) سنة 1932 أصبح طبيعياً ان يبادر المحامون بعد ان ناهز عددهم (300) محامٍ الى مراجعة وزارة العدلية لتأسيس نقابتهم التي نص عليها نظام المحامين لسنة 1925 لتتولى ادارة شؤونهم بدلاً من وزارة العدلية التي كانت تتكفل بذلك.
فصدر على إثر ذلك قانون (نقابة المحامين) رقم (61) في 24/8/1933 الذي ألغى جميع القوانين والانظمة ذات العلاقة الصادرة قبله، والذي نص في (المادة/2):
” تؤسس بحكم هذا القانون نقابة للمحامين يكون مركزها العاصمة، وعندئذ يكون جميع المحامين في العراق منتسبين الى النقابة”.
ونص كذلك في (المادة/3):
“على انه لا يسوغ لأي شخص كان ان يتعاطى المحاماة أمام اي محكمة في العراق، إذا لم يكن عضوا في النقابة ويحصل على اجازة خاصة تمنحها اياه نقابة المحامين لتعاطي المحاماة”.
ونتيجة لذلك عقد المحامون اجتماعاً للمداولة لاتخاذ الاجراءات القانونية المطلوبة لتأسيس النقابة وانتخاب اعضاء مجلسها، وابلغوا وزارة العدل بذلك.
وبناءً على ما ورد في القانون المذكور” من أن على وزير العدلية ان يدعو الحائزين على صفة المحاماة بمقتضى احكام هذا القانون الى عقد اجتماع عام في مدة لا تتجاوز الشهر من تاريخ تنفيذه، وذلك لأجل تأليف النقابة وانتخاب لجانها التي تشرف على شؤون مهنة المحاماة كافة. (مادة موقتة)”.
لذلك أصدر وزير العدلية اعلاناً بتاريخ 27/9/1933 دعا فيه المحامين الذين تتوفر فيهم شروط ممارسة المحاماة، وكان عددهم (109) محامٍ فقط للحضور الى ساحة المحاكم لانتخاب رئيس نقابة المحامين.
وعند الساعة الرابعة من عصر الاثنين 9/10/1933 اجتمع المحامون بحضور وزير العدلية المحامي محمد زكي بك وابتدؤوا بانتخاب الرئيس، ففاز برئاسة النقابة (النقيب) ناجي السويدي بـ (65) صوتاً وفاز بنيابة الرئاسة) وكالة النقابة) المحامي داود السعدي، وتأجل الاجتماع الى يوم الاربعاء القادم الساعة الرابعة بعد الظهر في ساحة المحاكم لانتخاب اللجان.
ونشرت جريدة الطريق في عدد لاحق:
وبعدها نشرت جريدة الطريق عريضة مرفوعة الى وزير العدلية وقع عليها جماعة من المحامين جاء فيها:
معالي وزير العدلية الافخم
بناء على التفسير الفعلي الذي جرى من قبل وزارتكم الجليلة) للفقرة/3) من (المادة/3) من قانون نقابة المحامين، والذي اقره المحامون بموافقتهم على ابطال الانتخاب الأول واعادته لعدم حصول الأكثرية المطلقة، فقد اعيد الانتخاب بحضوركم في 9/10/ 1933 فأسفر عن انتخاب الرئيس، وحيث أن الانتخاب لنيابة الرياسة لم يجرِ في الجلسة السابقة، فإن الجلسة هذه تعتبر الأولى بالنظر لانتخاب نائب الرئيس وإن اعتبرت الثانية بالنظر للرئيس، وحيث ان داود أفندي السعدي حصل على (54) صوتاً من أصل (113) صوتاً فلا يعد حائزاً على الأكثرية المطلقة التي يجب ان تكون (57) صوتاً لهذا فإن انتخاب نائب الرئيس غير صحيح، ويخالف فعلاً لما اقرته الوزارة.
فبناءً عليه يجب والحالة هذه اعادة انتخاب نائب الرئيس، تنفيذاً لحكم
القانون. التواقيع.
فأصدر وزير العدلية البيان الاتي:
الى حضرات المحامين كافة
تظاهر للوزارة بالنظر للأحكام القانونية، أن انتخاب نائب الرئيس لنقابة المحامين تابع لعين الطريقة المتبعة لانتخاب الرئيس.
وحيث لم تحصل أكثرية الآراء في الانتخاب السابق لنائب الرئيس فعليه قرر تعيين يوم الاحد الموافق)22( الجاري موعداً لانتخاب نائب الرئيس واللجان بعين الطريقة المنصوص عليها في) المادة/3) وذلك في الساعة الثالثة زوالية من اليوم المذكور.
وزير العدلية
وفي يوم 22/10/1933، جرى انتخاب نائب الرئيس واعضاء الهيئة الادارية. بحضور مدير العدلية العام نوري القاضي، نيابة عن وزير العدلية وفاز فيها السيد داود السعدي بنيابة الرئاسة للمرة الثانية، وجرى كذلك انتخاب اعضاء الهيئة الإدارية.
ويلاحظ ان القانون لم يحقق الاستقلال الكامل للنقابة، وإنما أبقى ارتباطها بوزير العدل، فيما يتعلق بالانتساب والسلطة التأديبية مما ادى الى تذمر المحامين ومطالبتهم بتعديل ذلك بما يتلاءم وقوانين المحاماة في البلاد العربية، ولم يتحقق ذلك الا بعد قيام ثورة 14 تموز عام 1958 بموجب القانون رقم 84 لسنة 1960.