دراسة في ضوء مشروع قانون مواجهة جائحة كورونا في العراق
المحامي الحمزة فاضل حمزة الجنابي
ماجستير في القانون المدني
كلية الحقوق – جامعة الإسكندرية
باحث بدرجة الدكتوراه
نصت المادة (2) من مشروع قانون مواجهة جائحة كورونا العراقي على أن: “الغرض من تشريع القانون لضمان عدم الملاحقة القضائية للوزارة أو الشركة أو الدائرة الصحية أو المؤسسة الصحية أو موظفي أي منهم أو المنتج أو ممثل المنتج عن سلسلة الإجراءات أو الأعمال والتصرفات المتخذة لغرض مواجهة جائحة كورونا”.
منذ سنتين تقريبًا والعالم يعاني من تفشي جائحة كورونا التي حصدت أرواح الآلاف من البشر، مما دفع ذلك بعض شركات الأدوية لإنتاج لقاح لهذا المرض الفتاك، ولا يغيب عن البال أن أي لقاح أو دواء يتحمل جانبًا تجريبيًا وآثار جانبية لا يمكن توقعها حتى من قبل الشركة أو الطبيب الباحث القائم بالتجربة، إضافة إلى أنه لا يمكن طرحه في الأسواق قبل أخذ موافقات الجهات المختصة، ومن المعلوم أن التجارب الدوائية تمر بمراحل عدة، بدءً من مرحلة الأبحاث المختبرية، ومرورًا بمرحلة التجريب على الحيوان، ومن ثم المرحلة الأخيرة وهي مرحلة التجريب على الإنسان والتي بدورها هي الأخرى تمر بأربعة مراحل، هذه المراحل تحتاج إلى سنوات لضمان الأضرار الجانبية التي قد تنتج عن الدواء أو اللقاح، بل أن كل مرحلة من هذه المراحل ممكن أن تمر بعدة سنوات.
وبالنظر للأضرار الجانبية التي قد تنتج عن استعمال اللقاح، اشترطت بعض شركات الأدوية مثل شركة فايزر (Phizer) المصنعة للقاح فيروس كورونا على الدول التي تروم شراء اللقاح أن تشرع قانون وطني لحماية الشركة من المساءلة القانونية سواء أكانت المساءلة جنائية أم مدنية.
والاشكال الذي ثار هنا هو: مدى دستورية قانون مواجهة جائحة كورونا؟
ونجيب عن ذلك كما أجاب المحام والخبير القانوني العراقي الأستاذ (طارق حرب):
لذلك نرى أنه من الضروري تشريع القانون لمواكبة التطور البيولوجي الحاصل، وبسبب الوضع الراهن الذي يعيشه العالم اليوم نتيجة تفشي جائحة كورونا، إضافة إلى الاقبال المتزايد من قبل المواطنين للحصول على اللقاح.
نصت المادة (3) من مشروع القانون أعلاه على أن: “يستثنى من المادة الثانية أعلاه الأعمال أو التصرفات التي تمارس عمدًا وتؤدي إلى الوفاة أو الإصابة الجسمية باستخدام إحدى المواد الطبية الخاصة بمواجهة جائحة كورونا”.
استثنى المشرع العراقي بنص المادة (3) الأعمال التي تحصل عمدًا من قبل الطبيب أو المساعدين (الفريق الطبي) الذي يكون على تماس مباشر بالمصاب بالفيروس (المريض) أو الشخص الذي يروم الحصول على اللقاح (المعافى)، وحسنًا فعل المشرع العراقي عند النص على ذلك، لأنه من الممكن أن يكون الطبيب قد انصرف إلى التجريب على المريض، ويكون الغرض من ذلك اشباع شهوة علمية للطبيب، أو القيام بالتجربة لغرض الابتكار العلمي، حيث يكون الغرض من إعطاء دواء للمريض لم يتم طرحه في الأسواق بغية معرفة الآثار الجانبية له، وفي هذا المقام لا تكون مصلحة المريض هي الأولى بالحماية، بل القيام بذلك لغرض شخصي أو علمي بحت، ولا ينكر جرأة الأطباء الباحثين في هذا المجال، حيث أن جميع الأدوية المتاحة اليوم لم تأتِ إلا عن طريق التجربة على الإنسان.
إضافة إلى أنه حتى وأن حصل الطبيب على رضا المريض لغرض التجريب عليه فأن ذلك لا ينفي مسؤوليته، ذلك لأن جميع القوانين قد أخرجت جسم الإنسان من دائرة التعامل المالي، ورضا المريض لا يعد سببًا من أسباب الإباحة في الجرائم التي تمس جسم الإنسان.
ونرى بوجوب مساءلة الطبيب أو الفريق الطبي في حال انصرفت الإرادة إلى التجريب لغرض الابتكار العلمي، لأن جسم الإنسان هدف وليس وسيلة، وأن الحق في سلامة الجسد هو من حقوق الإنسان الملازمة لشخصيته، إذ يعد المساس بجسد الإنسان إفتئاتًا على الوجود المادي للإنسان، وبهذه المثابة فإن الحق في سلامة الجسد هو من الحقوق غير المالية، ويقع أي تصرف فيه باطلًا بطلانًا مطلقًا.
نصت المادة (4) من مشروع القانون أعلاه على أن: “تتحمل الدولة تعويض المتضررين من الأعمال أو التصرفات أو الإجراءات المتخذة اللازمة لمواجهة جائحة كورونا عدا ما استثني من المادة الثالثة أعلاه”.
لقد ألزم المشرع العراقي نفسه بالتعويض عن الأضرار التي تنتج عن لقاح فيروس كورونا من خلال نص المادة (4) من مشروع قانون مواجهة جائحة كورونا، إلا أنه لم يبين الطريقة التي يمكن من خلالها للمضرور الحصول على التعويض، وبالاستعانة بموقف المشرع الفرنسي بهذا الصدد، يمكن أن يكون التعويض من خلال منح مساعدات مالية للمضرورين، أو عن طريق إحالته إلى صندوق الضمان، والذي نص عليه المشرع العراقي في مشروع القانون هذا وذلك من خلال نص المادة (5) منه، فقد استخدمت فرنسا طريقة تخصيص بند في الميزانية العامة من خلال واقعة عرفت باسم قضية هرمون النمو الملوث, وهو مرض خطير يصيب الأطفال بصفة خاصة بتليف الجهاز العصبي، فقد قررت الحكومة الفرنسية بخصوص هذه الواقعة أن تتحمل بالكامل تعويض الأضرار التي لحقت بالمصابين بهذا المرض، ويبلغ عدد المصابين بالمرض قرابة الخمسمائة شخص؛ ويتم دفع التعويض عن طريق ميزانية كل من وزارتي (الشؤون الاجتماعية) و(الصحة).
بناءً على ما سبق ذكره فإننا نرى بما أن المشرع العراقي قد نص على إنشاء صندوق لتعويض المضرورين يكون التعويض عن طريق هذا الصندوق، وبنسبة محددة، تتولى تقديرها اللجان التي يشكلها قرار مجلس الوزراء الخاص بتنظيم عمل الصندوق، وسنمر على ذكر هذا في المادة (5) من مشروع القانون.
نصت المادة (5) من مشروع القانون أعلاه على أن: “تنشئ الدولة صندوق لتعويض المتضررين من جراء الأعمال والإجراءات الحكومية المتخذة واللازمة لمواجهة جائحة كورونا وينظم تشكيل وعمل وتمويل الصندوق بتعليمات يصدرها مجلس الوزراء”.
نص المشرع العراقي في المادة أعلاه على إنشاء صندوق لتعويض المتضررين من جراء الأعمال والإجراءات المتخذة لمواجهة جائحة كورونا، وينظم عمل وتمويل الصندوق من خلال تعليمات يصدرها مجلس الوزراء، وبدورنا كباحثين ومهتمين بالجانب القانوني، نأمل أن تكون الإجراءات على نحو يضمن حصول المضرور على التعويض الكامل لجبر الضرر الذي لحق به، كذلك سرعة الإجراءات وسهولتها للحصول على التعويض عن طريق هذا الصندوق، ويمكن القول أنه بالامكان الاعتماد على النقاط الآتية لتنظيم عمل الصندوق مستفيدين من تجربة المشرع الفرنسي بهذا الصدد:
بادئ ذي بدء يمثل تمويل صندوق التعويض أساس وجوده، كذلك لكي يحقق الصندوق الغرض من إنشائه، ألا وهو جبر الأضرار التي لحقت بالمضرورين، يجب أن يكون له مورد ثابت يخصص له، ولكي نضمن التمويل الكافي للصندوق يمكن الاستعانة بموقف المشرع الفرنسي بتمويل صناديق الضمان التي أنشئها من أجل تعويض المضرورين من الأعمال الطبية في الحالة التي لا يمكن بها اسناد الضرر إلى شخص محدد بالذات، أو في الحالة التي يكون فيها التعويض الذي حصل عليه المضرور لا يجبر كامل الضرر الذي لحق به، فعمد المشرع الفرنسي إلى تمويل الصندوق في بادئ الأمر بتخصيص جزء من رسم من الرسوم، أو ضريبة من الضرائب، ثم تطور الأمر بعد ذلك فأصبح التأمين يسهم في تمويل هذه الصناديق إلى جانب التمويل العام من الدولة.
كما يجتهد بعض الفقه في الوقت الحالي لوضع نظام خاص يمكن من خلاله تمويل صندوق الضمان حتى يؤدي الدور المنوط به بأكثر فاعلية، وتتمثل هذه الموارد في:
1- فرض ضريبة عامة لتمويل الصندوق، ويعد هذا المصدر من قبيل التضامن الاجتماعي ضد أضرار الحوادث الطبية، فكل شخص من الممكن أن يكون في وقت ما ضحية للمخاطر الناشئة عن الأعمال الطبية.
2- قسم يمول عن طريق شركات التأمين.
3- جزء يمول عن طريق ميزانية وزارة الصحة؛ نتيجة الحوادث الطبية التي تحدث في المستشفيات العامة.
4- جزء يتحمله المرضى أنفسهم، وهو مساهمة خاصة من هؤلاء في تمويل مصادر الصندوق.
5- جزء يتم تمويله عن طريق إلزام الطبيب المسؤول بدفع مبلغ مالي, في حالة زيادة الأضرار عن نسبة معينة.
وبالنظر إلى تجربة المشرع الفرنسي في تمويل الصندوق يمكن القول بأنه لتمويل الصندوق الذي نص عليه المشرع العراقي بنص المادة (5) من مشروع القانون من خلال الآتي:
يجب أن تكون إجراءات الحصول على التعويض عن طريق الصندوق الذي نص عليه المشرع العراقي في المادة (5) من مشروع القانون سالف الذكر بسيطة وميسرة، ولا يتصور ذلك إلا إذا اتخذ هذا الصندوق طريقة عمل إدارية وليست قضائية، تيسيرًا على المضرور للحصول على التعويض بعيدًا عن إجراءات التقاضي التي ممكن أن يطول أمدها إلى وقت طويل، لأن عمل الصندوق بطريقة قضائية يؤدي إلى تأخر المضرور بالحصول على التعويض، لا سيما إذا أمعنا النظر إلى الأضرار التي تنتج عن لقاح فيروس كورونا فهي أضرار جسدية وغالبًا ما تحتاج إلى نفقات عالية، كذلك فأن حاجة المضرور إلى التعويض لجبر الضرر الذي أصابه تكون على وجه الاستعجال، ولكي يحقق الصندوق الغاية التي أنشئ من أجلها يجب أن يكون العمل به بطريقة عمل إدارية.
وللاستفادة من تجربة المشرع الفرنسي بهذا الصدد سنوضح آلية العمل بصندوق الضمان في التشريع الفرنسي:
بين القانون الصادر في 4 مارس 2002م الطريقة التي يمكن من خلالها الحصول على التعويض عن المخاطر العلاجية، فوضع بذلك طريقًا للتسوية الودية؛ وذلك تسهيلاً على المضرور في الحصول على التعويض، ليتجنب المضرور إجراءات التقاضي التي غالبًا ما تطول من أجل تقرير حقه في التعويض؛ لذلك أنشأ المشرع الفرنسي اللجنة الوطنية للحوادث الطبية، والديوان الوطني للتعويض، واللجان الجهوية للتعويض والمصالحة.
ويتم الحصول على التعويض عن طريق صناديق الضمان؛ وذلك من خلال تقديم طلب من المضرور إلى هذه اللجان، ثم تقوم اللجان بعد ذلك بدراسة الطلب المقدم من المضرور، وتعتمد في هذا على ما يقدمه المضرور من بيانات ومعلومات وتقارير طبية, والتي تعد أدلة على إصابته بالضرر، ثم تقوم بعد ذلك بإجراء خبرة طبية لتصدر قرارها بالتسوية أو بالرفض طبقًا لما نصت عليه المادة 1142-7)) من قانون الصحة العامة الفرنسي.
وبعد العرض السابق لموقف المشرع الفرنسي بخصوص صناديق الضمان يمكن القول أنه يجب على المشرع العراقي أن يتبع التالي لضمان نجاح صندوق التعويض عن الأضرار الناتجة عن مواجهة جائحة كورونا: