هل سنكون الضحايا القادمة ؟ غياب السلامة يضع ارواحنا على المحك وقد نكون نحن من يدفع الثمن
المحامية زهراء حسن حسين
في عالمنا المعاصر تزداد اهمية توفير وسائل الامان والسلامة في المباني والمنشات ، حيث ان غيابها او الاهمال في تطبيقها يمكن ان يؤدي الى نتائج كارثية ، ليس فقط على مستوى الممتلكات بل على حياة البشر . ان وقوع كوارث نتيجة غياب طفايات الحريق وسلالم الطوارئ او مخارج السلامة ليس مجرد حادث عرضي بل هو بمثابة مهزلة في حق القوانين والانسانية على حد سواء ، فالدولة بوصفها الجهة المسؤولة عن حماية المواطنين وضمان سلامتهم تتحمل مسؤولية كبيرة في توفير بيئة امنة ، وعندما تقصر في اداء هذا الواجب فانها لا تخرق القوانين فقط بل تخون الثقة التي وضعتها فيها الشعوب.وفي عالم اليوم الذي يشهد تطورا سريعا في مجالات البناء والهندسة لا يمكننا ان نغفل عن اهمية السلامة العامة في المباني والمنشأت ، حيث ان توفير وسائل الامان مثل طفايات الحريق وسلالم الطوارئ في كل مبنى ليس امرا قانونيا بل هو مسؤولية اخلاقية تجاه المجتمع ، وعلى الرغم من وجود قوانين تحكم هذا الموضوع لا يزال الاهمال الحكومي وافعال بعض اصحاب المنشات يشكلان تهديدا حقيقيا على الارواح والممتلكات ،حيث انه في العديد من الحالات يقوم بعض اصحاب البنايات والمنشأت دون مراعاة لاجراءات السلامة ولا توفير متطلباتها مثل طفايات الحريق ولا مخارج للسلامة ، يعد حادت الكوت في العراق من الحوادث الماساوية التي تكشف عن اشكاليات كبيرة في تطبيق معايير السلامة في المنشات وهو ما يستدعي الوقوف عند مسؤولية اصحاب البنايات بشكل خاص الذين يتحملون الجزء الاكبر من المسؤولية القانونية ، وان عدم مراعاة اجراءات السلامة تعتبر مخالفة قانونية خطيرة ، اذ بالرجوع الى قانون الدفاع المدني نجده ينص على منع تشييد او اشغال المنشات التي لا تتوفر فيها مستلزمات السلامة . وان العلاقة بين مسؤولية الدولة واصحاب البنايات هي مسؤولية مشتركة اي مسؤولية تكاملية حيث ان الدولة يجب ان تضع القوانين وتنفذ الرقابة في حين اصحاب البنايات والمنشات التجارية يجب عليهم تنفيذ هذه القوانين بشكل صارم ، فاذا فشلت الدولة في فرض رقابة فعالة على تطبيق معايير السلامة في المنشات يمكن ان تتعرض للمسؤولية القانونية والانتقاد العام ، في حين اصحاب البنايات يتحملون عواقب نتيجة الاهمال في توفير معايير السلامة كالغرامات المالية وتعويض الضحايا والعقوبات الجنائية .ولا يمكن وصف الحوادث التي تسجل نتيجة لغياب سلالم الطوارئ او طفايات الحريق بانها مجرد حوادث عادية بل هي كوارث بشرية يتساقط ضحاياها بسبب اهمال فاضح في الالتزام بمعايير السلامة بل هو نتاج تقاعس متعمد او جهل صارخ من قبل اصحاب البنايات والجهات المعنية لاسيما عندما يتم انشاء هذه المجمعات دون ان تراعى فيها ابسط معايير السلامة التي تضمن حماية الارواح ، وان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيف يتم بناء مجمعات تجارية ضخمة دون توفير احتياطات السلامة الاساسية؟ حيث من المعروف ان عملية بناء اي منشاة تجارية تتطلب موافقات رسمية من الجهات المعنية ، وبما في ذلك السلطات المحلية والبلدية فضلا عن فرق الدفاع المدني المختصة ويجب ان تمر كل خطوة من خطوات البناء عبر مجموعة من الفحوصات والموافقات الفنية التي تضمن توافر معايير السلامة في المبنى ومع ذلك كيف يتم التغاضي عن هذه المتطلبات وان اصحاب المجمعات او البنايات التجارية قد يتجاوزون هذه القوانين لتحقيق مكاسب مالية مما يعرض الارواح لخطر جسيم ، وفي دولة غنية كالعراق تمتلك موارد مالية كبيرة لكنها تفشل في استثمار هذه الموارد بشكل فعال في استخدام التقنيات الحديثة التي تعزز قدرات الدفاع المدني ومن اهمها استخدام الطائرات لرصد مناطق الحريق، واستخدام انظمة رش المياة الذكية وانظمة مكافحة الحرائق الجافة حيث نلاحظ انه رغم الموارد المالية ان الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة لفرق الدفاع المدني لا يحظى بالاولوية كما ينبغي .في الختام ان الحوادث الماساوية التي تنتج عن غياب معايير السلامة في المجمعات التجارية تمثل اكثر من مجرد اخفاقات قانونية فهي تهديد مباشر لحياة البشر ، وعلى الرغم من وجود موارد مالية ضخمة في العراق فان غياب الرقابة الفعالة وعدم تطبيق اساليب السلامة الحديثة يعرض الارواح للخطر بشكل غير مقبول، دور القضاء في هذه القضية لا يقتصر على محاسبة المسؤولين عن الحوادث بل يمتد ليشمل ايضا تحقيق العدالة للضحايا وضمان ان تكون القوانين اكثر صرامة في مجال السلامة . في النهاية يجب ان نتذكر ان سلامة الانسان هي اولوية قصوى وان المسؤولية في تحقيق ذلك تقع على عاتق الجميع من اصحاب المنشات الى الجهات الحكومية والمجتمع ككل ، لا يمكن ان نسمح بمرور هذه الحوادث دون ان نضع حلا جادا يحمي الارواح ويضمن حياة امنة لجميع المواطني
ن.