أ.د. امين عاطف صليبا
احياناً تمر الاتهامات بحق طرف ما بصورة عادية،خاصة اذا كانت ذات جنبة سياسية حيث لكل شخص الحق بإبداء الرأي من زاوية سياسية داخلياً أم خارجياً.لكن هناك بعض المؤشرات تدعوا لليقظة والتدقيق خاصة اذا ما وُجِّهت الى سلطة لا علاقة لها بالسياسة،أي السلطة القضائية! من الممكن أن يكون للبعض – من داخل الدولة المعنية – مآخذ على أداء السلطة القضائية وبأنها تُساير في احكامها متطلبات السلطة السياسية داخل البلاد!وهذا موقف داخلي مألوف لأن احكام القضاء لا بُدَّ من أن يكون فيها خاسر ورابح. لكن الأمر سرعان ما يُثير الشبهات حيال إنتقادات تأتي من الخارج ومن سلطات رسمية، تهاجم القضاء في دولة اخرى،ضاربين بعرض الحائط الأصول والأعراف ومبدأ السيادة لكل دولة وفق المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة،منتقدين القضاء على بعض احكامه التي اصدرها وفق قانونه الداخلي ووفق الصلاحيات القضائية الموكولة اليه.
بعد هذا الايجاز اسمح لنفسي بطرح سؤال امام القراء،وهو سؤال ينطوي على تفسير لم اتمكن من سبر اغواره لكي استخلص لماذا هذا التهجم على القضاء العراقي؟ ومن مصدرين دوليين يعتبران من الدول الرائدة في إحترام حقوق الانسان والتقيد بالمواثيق الدولية! عنيتُ بذلك تصريح النائب الأميركي (مايك والتز) الأثنين في 1/7/2024 الذي أستحضر من الأرشيف قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر في 22 شباط 2022 فيما يتعلق بنصاب الثلثين لإنتخاب رئيس جديد للعراق،وألبسه لمجلس القضاء الأعلى ولرئيسه الدكتور فائق زيدان.حيث من المستغرب قانوناً توجيه هذا الإتهام الى مجلس القضاء الأعلى ورئيسه،لأنه لا علاقة لهذا المجلس بالقرار المذكور وليس من صلاحياته!! لكن على ما يبدو مقولة (ماكيفللي) “الغاية تُبرّر الوسيلة” تنطبق تماماً على هذا الإتهام الذي يُراد به باطل، كون قراءة الجوانب السياسية التي تطرق لها النائب الكريم،تؤكد على انه هناك غاية يُراد تحقيقها من هذا التصريح.
لقد تطرقنا في رد قانوني سابق على هذا التصريح،لكنني تفاجأت في اليوم التالي، بما نقلته صفحة المؤسسة اللبنانية للإرسالL.B.C. نهار الأربعاء في 3/7/2024 نقلاً عن رويتر،بأن وزارة الخارجية في السويد استدعت القائم بالأعمال العراقي لديها لِتُبلِّغه إحتجاجها على إصدار القضاء العراقي احكاماً بالأعدام بحق ثلاثة من مواطنيها – هم في الأصل عراقيين – بسب ارتكابهم جريمة قتل – حيث أن القضية كان قد مضى عليها حوالى الشهر كون الحكم صدر في شهر حزيران!إن التعجب من هذا الاعلان،هو في محله الصحيح، إن بتوقيته أم بسبب تجاوز وزارة الخارجية ما تنص عليه كافة القوانين الجزائية في دول العالم حول ما يُعرف بـ “الصلاحية الأقليمية” أي تطبيق القانون العراقي على كل الجرائم التي ترتكب على ارض أي دولة،بإستثناء حالات مُحدّدة على سبيل المثال الحصانة الدبلوماسية التي تحول دون معاقبة من يحوزها وفق القانون الوضعي للدولة المُنتدب فيها،لذلك كان يجدر بمن نصَّ الخبر على صفحة وزارة الخارجية السويدية أن يُلغي كلمة “إحتجاج” من النص،لأن معنى هذا الكلمة وفق الأعراف الدبلوماسية أن السلطة في بلد ما قد خرقت القانون الدولي بتعاملها مع مواطنين الدولة المُحتجَّة خلافاً للقانون،وهذا ما لا ينبطق على السلطة القضائية كونها طبَّقت القانون العراقي المتعلق بجرائم القتل!! . لذلك كنا نعتقد أنه – ومع تقديرنا للسويد – أن لا تنشر وزارة الخاجية السويدية مثل هذا الخبر على صفحتها الرسمية،وتضمينه كلمة “إحتجاج” لمخالفته الأصول الدبلوماسية ومبدأ السيادة لدولة العراق،خاصة بعد أن ادركت أن جريمة القتل حصلت بين تجار مخدرات عراقيين يحملون الجنسية السويدية،وكان يقتضي السعي الى حل بالتواصل مع السلطات العراقية وفق الأصول، كون السويد قد الغت عقوبة الإعدام من قانونها،وهي لا تقبل بتنفيذها مطلقاً! لكن ليس بهذه الطريقة بفرض إرادتها على القضاء العراقي، لأن الحكم صدر وفق القانون العراقي وبات من واجبها التسليم بأن الحكم قد صدر وفق الأصول القانونية. لكن توقيت هذا الاعتراض غير المحق ونشره وتداوله على وسائل الاعلام ينطوي برأينا على دور مشبوه،فيما لو رُبِطَ بالتصريح للنائب الأميركي قبل يومين فقط،خاصة وإن كلا القضيتين قد حصلتا سابقاً،وكلاهما ينطويان على مساس صريح وغير مباشر بدور القضاء العراقي.
لذلك أتمنى على وزارة الخارجية السويدية منعاً لأي تشكيك في توقيت إعلانها الذي يمس بصورة ضمنية الى القضاء العراقي،أن تُبادر الى توضيح من شأنه إزالة الشك من أن إعلانها بخصوص حكم الإعدام بحق المجرمين،ليس من شأنه المس بمصداقية القضاء العراقي،بقدر ما هو يتماشى مع سياسة السويد في رفضها لتنفيذ حكم الإعدام،وتعمل من خلال الأقنية الدبلوماسية وبكل الوسائل للحؤول دون تنفيذ حكم الإعدام،الذي وإن كان يصدر عن القضاء العراقي،لكن تنفيذه يستوجب صدور مرسوم جمهوري بتنفيذه. بذلك نقتنع بأن إحتجاجها من خلال إستدعاء القائم بالأعمال لديها هدفه واضح وهو السعي الى عدم تنفيذ حكم الإعدام، ولا يعتبر تدخلاً أو تشكيكاً بعمل القضاء العراقي الذي يُطبِّق القوانين،حيث تُمحى شكوكنا من أن هناك من يسعى للنيل من القضاء العراقي من خارج العراق،حيث يُعتبر هذا الأمر – الاحتجاج – من الصور السلبية التي تحكم العلاقة بين الدول وعدم إحترام مبدأ السيادة للدولة المعنية.