المحامي وليد عبدالحسين جبر
كنت استغرب صدور اعمامات وتأكيدات من مجلس القضاء الاعلى او بقية السلطات حول تطبيق نصوص القوانين المختلفة واقول ما الحاجة لهكذا اعمامات و النصوص النافذة آمرة لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها وواجبة التنفيذ من الجميع ، بل يرتكب جريمة حينما يمتنع الموظف او المكلف بخدمة عامة عن تنفيذها طبقا للمادة ( 329) من قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ : “١ – يعاقب بالحبس وبالغرامة او بأحدى هاتين العقوبتين كل موظف او مكلف بخدمة عامة استغل وظيفته في وقف او تعطيل تنفيذ الاوامر الصادرة من الحكومة او احكام القوانين والانظمة او اي حكم او امر صادر من احدى المحاكم او اية سلطة عامة مختصة او في تأخير تحصيل الاموال او الرسوم ونحوها المقررة قانونا.
2 – يعاقب بالعقوبة ذاتها كل موظف او مكلف بخدمة عامة امتنع عن تنفيذ حكم او امر صادر من احدى المحاكم او من اية سلطة عامة مختصة بعد مضي ثمانية ايام من انذاره رسميا بالتنفيذ متى كان تنفيذ الحكم او الامر داخلا في اختصاصه.”
الا ان النصوص المعطلة عمليا لا تعد ولا تحصى و احتاج بحث او دراسة مطولة لاستقصائها ، وسأحاول عبر مقالات عدة الاشارة الى ذلك كلما سنحت الفرصة عسى ان تشكل هكذا وقفات دعوة لمعالجة هكذا واقع لان النخب المثقفة دورها الاساسي التذكير والاثارة والاشارة واصواتها دائما ما تكون اعلى فتصل اذان المعنيين ان شاء الله.
سأقتصر في هذا المقال على بعض نصوص قانون الاثبات العراقي رقم ١٠٧ لسنة ١٩٧٩ بمناسبة تصفحي لبعض نصوصه قبل ايام لإنني مقتنع تماما بمقولة احد فقهاء القانون بأن القاضي او المحامي لا يقبل منه الا ان يكون عالما في قانوني المرافعات والاثبات وان قُبل منه ان يكون متعلما في غيرهما من القوانين ، لذلك اطالع هذين القانونين باستمرار واقرأ عنهما الشروحات واحكام محاكم محكمة التمييز والمقالات ، كي اسبر غور نصوصهما التي لا تفتح ابوابها يقينا لأول طارق .
في القضايا المدنية سواء امام محاكم البداءة ام محاكم الاحوال الشخصية اخذ البعض يجعل من الاستجواب وسيلة لأحراج خصمه فيطلب من المحكمة احضاره بالذات وعادة ما القضاة يقرروا ذلك دون التفات الى المادة( 72) “اولا – على طالب الاستجواب ان يوضح في طلبه الوقائع المراد استجواب خصمه عنها توضيحا تاما. ثانيا – على المحكمة بيان الاسباب التي يستند اليها في طلب استجواب احد الخصوم وتثبيت ذلك في محضر الجلسة.” فيجب على من يطلب من المحكمة اجراء الاستجواب ان يوضح في طلبه ماهية الوقائع المراد استجوابه عنها وكذا الامر على المحكمة حينما تقرر هي ذلك من تلقاء نفسها ، اما ان يطلب وكيل الخصم احضار خصم موكله وتقرر المحكمة ذلك دون بيان الوقائع المراد استجوابه عنها ودون بيان الاسباب فهذا يشبه الى حد كبير القاء قبض عليه والتحقيق معه دون احاطته علما بالتهم المنسوبة اليه وعدم امهاله وقت مناسب للإجابة !! كل هذا يحدث في محكمة مدنية!!
واستكمالا لأهمية تحديد وقائع الاستجواب واسبابه قبل القرار باستجوابه اعطت المادة( 73 ) من ذات القانون الصلاحية المطلقة للمحكمة بعدم الموافقة على الاستجواب في هذه الحالات لذلك نصت على ” اولا – اذا رات المحكمة ان الدعوى ليست في حاجة الى استجواب، او ان الوقائع التي يراد استجواب الخصم عنها غير منتجة او غير جائزة الاثبات رفضت طلب الاستجواب.
ثانيا – للمحكمة ان تعدل عن الاستجواب بعد ان امرت به او وافقت عليه اذا اتضح لها ان لا جدوى منه او لا مبرر له”
ثم بخصوص الاستماع الى شهادة الشهود فأن المادة( 91) وضعت اليات وشرائط واجراءات للموافقة على احضار الشهود من قبل اطراف الدعوى أذ قررت بأنه ” اذا قررت المحكمة سماع الشهود الذين طلب احد الخصوم تقديمهم، فعلى ذلك الخصم :
اولا – تحديد الوقائع المراد اثباتها بالشهادة.
ثانيا – حصر الشهود المطلوب سماع شهاداتهم الا اذا اقتضت طبيعة الدعوى غير ذلك.
ثالثا – تقديم كافة المعلومات التي تؤمن تبليغهم.
رابعا – الامتناع عن تقديم غير الشهود الذين حصرهم ابتداءا الا اذا قدم مبررا يقنع المحكمة في طلب شهود اخرين.
خامسا – ايداع صندوق المحكمة مبلغا نقديا يغطي نفقات الشهود، واذا كانت حالته المالية لا تسعفه على تحمل هذه النفقات، تتحمل الدولة النفقات المطلوبة وترجع بها على من يخسر الدعوى”
والحال اننا لا نجد في اغلب المحاكم تطبيق لهذا النص فلا الوقائع محددة من قبل من يستشهد بالشهود ولا يحدد هؤلاء الشهود مقدما ، ولا تودع مبالغ نقدية في صندوق المحكمة نفقات لهم !!
طبعا وغير ذلك من النصوص الشيء الكثير ممن تعارف على مخالفتها بسبب عدم الطعن بها من قبل المترافعين ووكلاءهم والا لو طُعن بها وصدرت قرارات من محكمة التمييز الموقرة في نقض قرار الحكم لمخالفته لهذه النصوص لما تجرأ احد على مخالفتها بعد ذلك ابدا ، ولكن السكوت عن الحقوق نتيجته سلبها و اهدارها بلا ادنى شك ، لا سيما وان عدم اثارة المطالبة بهذه الحقوق امام محاكم الموضوع لا تغني ولا تسمن من جوع اثارتها في عريضة الطعن امام محكمة التمييز لصراحة المادة (209 / ٣) مرافعات :
” لا يجوز احداث دفع جديد ولا ایراد ادلة جديدة امام المحكمة المختصة بالنظر في الطعن تمييزا باستثناء الدفع بالخصومة والاختصاص وسبق الحكم في الدعوى ”
فكثير من المترافعين يفوتهم اثارة هكذا دفوع وطلبات امام محاكم الموضوع ثم يذكروها في عريضة الطعن متناسين ان ذكرها في عريضة الطعن لن ينفعهم بعد ان تناسوها امام محكمة الموضوع ، وهكذا هو التقاضي والمحاماة انه فن قائم بذاته يقوم على كثرة المطالعة والمتابعة والاحتراف في الاجابة والطلب والرد واستخدام الادلة والطعون وليس الجميع قادر على ذلك بلا شك لذلك يبقى اهل الاختصاص في هذا الباب اولى واقدر من غيرهم على ممارسة هذه المهمة وليس كل من وضع سخام على وجهه اصبح حدادا كما يقول المثل الشعبي ولا كل من ارتدى كسوة المحاماة صار محاميا انه فن لا ينجح فيه الا المبدعين فيه .