المحامي وليد عبد الحسين جبر
الى وقت قريب ترفض محاكم التحقيق توكل المحامين عن المتهمين الهاربين بل وتتخذ اجراءات قانونية بحقهم بتهمة التستر على متهم هارب بدعوى انه يعلم بمحل وجوده واخذ منه الوكالة التي تخوله الدفاع عنه ، فضلا عن بقية طلبات محامي الدفاع ، الا انها تعود وبعد ان اتخذت جميع الاجراءات التحقيقية بغياب المتهم و رفضت توكل محام للدفاع عنه ، ان تدعو احد المحامين للانتداب في اكمال شكلية التحقيق والمحاكمة ليس الا ، مخالفة بذلك نص المادة( 149) من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي قررت بأنه ” ا – تجرى محاكمة المتهم الغائب والهارب وفق القواعد التي تجرى فيها محاكمة المتهم الحاضر” مما يعني كما للمتهم الحاضر توكيل محام للدفاع عنه وتقديم سائر الطلبات الرامية لتبرئته ، يكون هذا الحق للمتهم الغائب او الهارب لانهما كلاهما بريئين حتى تثبت ادانتهم فلا يجوز تجريد احد من حقوقه وفق الشبهات والظنون .
الا ان محاكم الجنايات بصفتها التمييزية في عموم محاكم استئناف العراق اخذت تنقض هكذا قرارات تحقيقية مخالفة للدستور والقانون والعدالة وتقرر صراحة احقية المتهم الهارب والغائب في توكيل محام للدفاع عنهما امام محاكم التحقيق ، ومن خلال بحثي المتواضع بين ثنايا هذه القرارات التمييزية وجدت ان شرارة التأكيد على هذا الحق قد بدأت من محكمة جنايات البصرة بصفتها التمييزية بموجب قرارها المرقم : ۲۱۷ / ت ج ۱ / ۲۰۲۱ الصادر بتاريخ ٢٠٢١/٥/٦ ، حول ” قرار قاضي محكمة تحقيق البصرة الاولى الذي رفض الطلب المقدم من قبل وكيل المتهمين الهاربين بتدوين أقوال شهود الدفاع”.. حيث اعتبرت ان رفض طلب تدوين أقوال شهود دفاع المتهمين الهاربين ” يشتمل على الأخطاء القانونية التي تستوجب التدخل تمييزا به ذلك لعدم وجود مانع قانوني يحول دون تدوين أقوال شهود دفاع المتهم الهارب باعتبار ذلك من إحدى الضمانات القانونية للمتهم في مرحلة التحقيق ، عليه قرر التدخل تمييزا بالقرار المذكور وإعادة الدعوى الى محكمتها لإتباع ما تقدم ، وصدر القرار بالاتفاق استناداً لأحكام المادة (۲٦٥ / ب ( الأصولية وافهم علنا في يوم ٢٠٢١/٥/٦”.
لتؤكد بعدها محكمة جنايات بابل بصفتها التمييزية بموجب قرارها المرقم : ٨٥٢/ ت هـ ٢ / ٢٠٢١ الصادر بتاريخ ۲۰۲۱/۸/۲۲ حول” قرار قاضي محكمة تحقيق الحلة ارجاء البت بطلب وكيل المتهم اعلاه والمتضمن طلبه مفاتحة مديرية شرطة النجف ..” حيث اشارت محكمة الجنايات بصفتها التمييزية بأن” القرار المميز ليس من القرارات التي يجوز تمييزها على انفراد كونه من القرارات الاعدادية لذا قرر رد اللائحة التمييزية شكلا مع التنويه على ان حق الدفاع مقدس وان الاجراءات التحقيقية مع المتهم الهارب من حيث جمع الادلة والتحري عنها لا تختلف عن الاجراءات التحقيقية مع المتهم الحاضر” ومن ثم عادت جنايات الرصافة بصفتها التمييزية لتؤكد على اتجاه جنايات البصرة بصفتها التمييزية المشار اليه قبل قليل إذ قررت في قرارها المرقم ١٤٢ / ت ٢٠٢٢/٣ الصادر بتاريخ ١٥ / ٣ / ٢٠٢٢ حول “قرار قاضي محكمة تحقيق الشعب الذي رفض الطلب المقدم من قبل وكيل المتهمة والمتضمن طلب تدوين أقوال شهود الدفاع” بأن “القرار يعد من القرارات الإعدادية والتي لا تميز على انفراد وعملا بإحكام المادة ٢٤٩ الأصولية لذا تقرر رد الطعن مع التنويه على محكمة التحقيق بأنه لا يوجد ما يمنع قانونا من الاستماع إلى شهادات شهود الدفاع حتى لو كان المتهم هاربا ”
ثم تأتي قبل اشهر من الان المحكمة الجنائية المركزية بصفتها التمييزية في قرارها بالعدد / ۲۷۹ /ت/۲۰۲۳ الصادر بتاريخ ١٦ / ٤ / ٢٠٢٣ بخصوص قرار قاضي محكمة تحقيق المركزية الذي ” رفض الطلب المقدم من قبل وكيل المتهم والمتضمن طلب الاطلاع على الأوراق التحقيقية لكون المتهم هارب..” حيث ” وجد أن القرار المميز هو من القرارات الإعدادية غير الفاصلة بالدعوى والتي لا يقبل الطعن بها على انفراد عملا بإحكام المادة ٢٤٩/ج الأصولية عليه قررت المحكمة رد الطعن التمييزي المقدم شكلا ولما لهذه المحكمة من سلطة التدخل التمييزي وحيث ان الاطلاع على الأوراق التحقيقية من قبل وكيل المتهم هي من الحقوق التي كفلها القانون له استناداً لقانون المحاماة العراقي رقم ١٧٣ لسنة ١٩٦٥ المعدل في المادة ٢٧ منه وان المتهم وان كان هارباً فلا يوجد نص قانوني صريح يمنع المحامي من الاطلاع على الأوراق التحقيقية الخاصة عليه قررت المحكمة التدخل تمييزاً بقرار قاضي التحقيق المشار اليه انفا ونقضه استنادا لإحكام المادة ٢٦٤ الأصولية وصدر القرار بالاتفاق في ٢٠٢٣/٤/١٦”
مما يعني ان محكمة التمييز في العراق ( محكمة الجنايات بصفتها التمييزية ) باعتبار ان اكثر قرارات رفض توكل المحامي عن المتهم الهارب تصدر من محاكم التحقيق التي يطعن في قراراتها امام محكمة الجنايات بصفتها التمييزية ، نعم لا زالت تؤكد على ذات الاتجاه الموافق للقانون بخصوص جواز توكل المحامي عن المتهم الهارب وتقديم جميع الطلبات التي يمكن ان تؤدي الى براءته ، وبلا مبالغة هذا اتجاه يحسب للقضاء العراقي و للمحاماة في العراق التي ساهمت في اثارة الطعون به واستحصلت على هكذا قرارات منصفة ، غير ان العديد من المحامين ينقلون بأن بعض محاكم التحقيق لا زالت تخالف هذه النصوص والقرارات وترفض اطلاعهم على اوراق قضايا المتهمين الهاربين وهذه مخالفة صريحة اولى بالمحامي الذي يتعرض لها ان يتقدم بطعنه شأنه شأن بقية زملاءه الذين سطروا بأقلامهم هذه الطعون وصدرت القرارات اعلاه نتيجة لها وكانت مثار اعداد هذا المقال المتواضع .