تعزيزًا لرأي نقيب المحامين العراقيين المحامية أحلام اللامي، الأستاذ الدكتور أمين عاطف صليبا ينشر مقاله التالي:
تكملة لصرخة نقيب المحامين العراقيين التي أوردتها في مقالتها على تطبيق قانونجي ” الوقوف عند أبواب مراكز الشرطة “
أ.د. أمين عاطف صليبا.
بداية أتوجه بالتحية لها، إذ لم يتسنّى لي معرفتها عن قرب، ولأقول لقد وضعت أصبعك على الجرح،وكنت صريحة بأن المشكلة لا تُحصر بتصرفات الشرطة، بل جرأتك سمحت بالقول هناك دور لقسم من المحامين لِما آل اليه التعاطي بين المحامين الشرفاء وضباط الشرطة والمحققين، وقد كنت واضحة في تحديد الأسباب الكامنة وراء تصرفات الشرطة بداية فيما يتعلق ببعض المحامين ومن ثم مع المتهمين أو المشتبه بهم.
بداية أود أن أعلِّق على ما أعتبرته في خاتمة مقالتها، من أنَّ المواد التي أجازت الإستثناء غير دستورية، لأقول لا مخالفة دستورية في إعتماد تلك الإستثناءات، لكن شرط التقيد بحقوق المتهم المنصوص عنها في الدستور العراقي،والمواثيق الدولية المنضم اليها العراق. وهذه مهمة قضاة الحكم كي يتأكدوا بأن ظروف الجرم لا تتطلب تطبيق مواد إستثنائية!
صراحة لبنان كان يُعاني من ذات المشكلة، ولكن بعد أن مضى أكثر من نصف قرن على وضع قانون أصول المحاكمات الجزائية في 18/9/1948، بدأت تطرأ عليه تعديلات منذ 2001 (سبعة تعديلات) حيث جاء التعديل الأخير في 19/10/2020 الذي تطرق الى تعديل اربع مواد فيه كان الأهم من بينها تعديل المادة 47 التي حدّدت مهام الضابطة العدلية (أي الضبط القضائي) لإستقصاء الجرائم غير المشهودة وأصول تفتيش المنازل وإحتجاز المشتبه فيه، وتحديد حقوقه وعقوبة القائم بالتحقيق جراء مخالفة ضمانات هذه المادة. فعلاً هذا تعديل غير مسبوق ومن الطبيعي أن لا أدخل في تفاصيله التي تؤمن أقصى الضمانات للمشتبه به،إذ نصت المادة على”عدم جوازية المباشرة بالتحقيق مع المشتبه به بغياب المحامي إلاّ في حالة الجريمة المشهودة، وعندما يكون هناك ضرورة قصوى تُبرِّر عدم أنتظار وصول المحامي، على أن يتم شرحها بالتفصيل على المحضر. ومخالفة هذه الشروط تعني البطلان المُطلق لكافة التحقيقات الأولية!
نعم هذا التعديل أحدث تغييراً جوهرياً في تحقيقات الضابطة العدلية خاصة مَن هم مِن غير القضاة، والمحددين في المادة 38 من القانون عينه. وهنا سأكون صريحاً مع القارىء، إذ أنَّ هذا التعديل أنعكس على حقوق الضحية وأنا مسؤول عن توصيفي هذا، لأنني كنت في السابق من عديد هذه الضابطة كوني من ضباط قوى الأمن الداخلي،ووصلت الى أعلى الرتب فيها.
المهم أن يسعى المشرع العراقي الى إجراء تعديل مماثل لِما حصل في لبنان، وهذا يتطلب متابعة من نقابة المحامين العراقيين، ومن منظمات المجتمع المدني لكي يتم هذا التعديل، الذي سيُغير مفاهيم ومبادىء قديمة، لكن أنا على يقين بأن الخلل لا يمكن تصويبه في لبنان، وحتى إن حصل التعديل في العراق، ما لم يعتمد المُشرّع الجزائي في كلا الدولتين، النظام المُطبّق في مصر القائم على أن التحقيقات في مخافر الشرطة لا تُجرى إلاّ من مقبل “وكيل النيابة” الذي يكون تابعاً للنيابة العامة (الإدعاء العام) وهو شخص مدني مُجاز في الحقوق وخضع لدورات تحقيقية وأخرى تتعلق بحقوق الإنسان وفق المعايير الدولية. حيث لا عنف ولا تعذيب للحصول على الإعترافات التي غالباً ما تكون ناتجة عن إعترافات أدلى بها المشتبه به لكي يتخلص من التعذيب المادي والمعنوي والنفسي، إذ كم من المشتبه بهم مات أثناء التحقيقات الأولية، في لبنان وفي العراق.
فعلاً هي صرخة تُعبِّر عن الوجع اللاحق بجسم المحاماة المؤتمن على حقوق الأنسان والملتزم بقسمه، وبالتالي نتمنىّ أن يُسارع المشرع العراقي الى تعديلات في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23/1971 لأن النظام القضائي في ظل دستور 2005 يقتضي إعادة النظر بغالبية مواده التي تجاوز عمرها نصف قرن، وذلك لتأمين ضمانات أكثر فعالية للمتهم، لأنه في النهاية هو إنسان خلقه الله على صورته ومثاله، حيث أضعف الإيمان أن يحترم القائم بالتحقيق الطبيعة الإنسانية له، بالإضافة الى قاعدة جوهرية هي “كل متهم بريء لحين أدانته”. طبعاً الإدانة تكون من قبل قضاء الحكم،
بعد جلسات علنية ومناقشة لكل الأدلة،بحيث يُهمل هذا القضاء كل الأدلة المفبركة والمُدبرة خاصة من غالبية المخبرين.
دستور العراق الحالي تتقدّم ضماناته المتعلقة بحقوق الإنسان على كل ما أوردته دساتير الدول إن في الغرب أم في الشرق، ولذا بات من الضروري تعديل القانون 23/1971 لكي يشعر المشتبه به البريء بأنه لن يُظلم، وبالمقابل يأمن الضحية على تحصيل حقوقه من خلال القضاء.وأول تعديل يكون مشابهاً لتعديل المادة 47 من ق.أ.م.ج. اللبناني.