المحامي محمد مانع حسن المسعودي
رئيس لجنة الدورات والتطوير المهني في هيئة انتداب البياع
لا يخفى على الجميع السيرة التاريخية لقانون الأحوال الشخصية بالانطلاقة الأولى لتشريع ذلك القانون في العهد الملكي عام 1920 م ومنذ ذلك الحين بدأت الدعوات لتعديل ذلك القانون وورد عليه تعديل 1929 م وأيضا دعت الحاجة الى تعديل اخر عام 1945 م الى ان وصل الى أيدينا التعديل الثالث عام 1959 م المرقم 188 وتلته عدة قرارات لمجلس قيادة الثورة المنحل تعالج بعض الجزئيات وبعد مرور حقبة كبيرة من الزمن دعت الحاجة الى تعديل اخر وها نحن الان نناقش ونشخص الإيجابيات والسلبيات في حين كثرة التساؤلات في تعديل قانون الاحوال الشخصية من العامة والخاصة وقد دلى كلاً بدلوه بأبداء تفسيره ورأيه بخصوص هذا التعديل، ويتسم هذا القانون في علاقة مباشرة وماسه بحياة جميع العراقيين على اختلاف مذاهبهم والذي يعد ذلك التعدد في المذاهب بمثابة اللمسة الجميلة للمجتمع العراقي الذي استوجب ان نوضح الغموض في ذلك التعديل ، وانطلاقاً من دور المحامي العراقي في تفسير نصوص القانون . وكثيراً ما يرتابني من خوف اثناء التوضيح والتفسير كون ان تلك النصوص مشتركة من جانب الشرع والاجراءات القانونية المتبعة ومما قد تنتجه من ضياع بعض الحقوق او المساس بحدود الله تعالى عسى ان نوفق ببيان بعض النقاط الجوهرية.
حيث تناول التعديل بالمادة (1) تعديل نص المادة (2) من قانون الاحوال الشخصية العراقي بإضافة الفقرة (3) وإذ ان هذه الفقرة قد رسمت الطريق الى تطبيق احكام(مدونة الاحكام الشرعية في مسائل الاحوال الشخصية ) حيث بينت الفقرة (3) من نص المادة (2) بالإشارة الى ثلاث حالات يمكن تصورها وهي 1- حاله ابرام عقد زواج جديد 2- وحالة وجود عقد سابق على نفاذ هذا القانون تم تصديقه 3- العراقي والعراقية ممن اختاروا المذهب الحنفي لهم الحق باختيار تطبيق احكام المدونة الشيعية بالاتفاق باعتبار ان هذا القانون غير ملزم لجميع الافراد الا من اختاروه بالاتفاق وبذلك سنتناول القيود في كل حالة من الحالات التي نص عليها المشرع .
ان الحالة الاولى وهي حالة ابرام العقد الجديد مع اختيار تطبيق احكام المذهب الشيعي الجعفري وهنا وحسب فهم نص المادة حيث اشترطت اتفاق الطرفين والدليل على ذلك وورد عبارة (ان تطبق عليهما). وبذلك لا يمكن ان يتصور الاختلاف بداية ابرام عقد الزواج. والقيد الثاني الذي نص عليه المشرع هو بعد اختيارهما احكام المذهب الشيعي الجعفري ليس لهما تغير خيارهما لاحقا وان كان طلب التغير مقدم من طرفي العقد وان هذا التوجه يساير مع توجه سابق لمحكمة التمييز بعدم جواز تبديل المذهب الذي ابرم عليه العقد مع جوازيه تبديل الاجل الخاص بالمهر المؤجل وباتفاق الطرفين.
اما بخصوص الحالة الثانية وهي حالة وجود عقد مبرم قبل نفاذ هذا القانون يحق لأي طرف من أطراف العقد تقديم طلب لتطبق عليه الاحكام الشرعية للأحوال الشخصية في المذهب الشيعي الجعفري. بشرط ان يكون العقد السابق قد تضمن استحقاق المهر عند المطالبة والميسرة، وهنا يثار تساؤل اخر مهم وهو ما مصير عقود الزواج التي ابرمت وقد تضمنت بان المهر يستحق بعد عشرة سنوات او أثني عشر سنة، وكان الاجدر بالمشرع ان ينص على هذه الحالة المذكورة باعتبارها أحد الاختيارات المتاحة حاليا وقد ابرمت عليها كثير من العقود وهي بذلك تلحق بالمذهب الجعفري.
وبذلك يتضح التناقض ما بين الحالة الاولى والحالة الثانية حيث اعطت الحالة الاولى الحق للطرفين بالاختيار وسلبت ذلك الحق في الحالة الثانية من أحد الطرفين.
اما الحالة الثالثة والتي اجازت استناداً للقواعد العامة للعقود باتفاق الطرفين وان كان عقدهم قد ابرم على المذهب الحنفي اختيار احكام المدونة الشيعية وهذه إجازة قانونية لمقلدي المذهب الحنفي يحق لهم اختيار تطبيق المذهب الشيعي الجعفري وبذلك يتضح خلو النص القانوني لحالة مهمة جداً وهي العقود الخارجية التي لم تصدق قبل نفاذ هذا القانون وكان الاجدر بالمشرع وضع نص ينظم الية الاختيار لا ان يترك الامر للقياس مع نص المادة 1 فقرة 3 ( أ و ب ) لان هذا التعديل قد اعطى صلاحيات اكثر في السلطة التقديرية للمحكمة في تقدير مصلحة الاسرة وشؤونها .
اما بخصوص ما ورد بالفقرة (3) (د) باختيار المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي بكتابة المدونة دون النظر الى قانون الوقف الشيعي ذي الرقم (57) لسنة (2012) حيث نصت المادة (12) منه بمهمة المجلس العلمي حيث ان مهمته النظر في الكفاءة الدينية للموظفين والمصادقة على تعيين المتولين. اضافة الى ما يحيله رئيس الديوان وبذلك يتضح بأن مهمة المجلس هي مهمة ادارية وليس مهمة تشريعية مع عدم الاشارة بالتعديل الى الالية المتبعة في حالة الخلاف ما بين اعضاء المجلس العلمي المكلفين في كتابة المدونة.
وهنا يثار تساؤل مهم بما الزمته المادة المذكورة لمجلس النواب بالموافقة (فقط ) وليس بالتصويت حسب النظام الداخلي الخاص بمجلس النواب العراقي وبذلك تكون المدونة سارية المفعول خلال (30) يوما من تاريخ تسلمه المدونة .
مع اعطاء الحصانة لسن الزواج وعدم تقليله وكذلك عدم الزواج من زوجة ثانية الا بعد اصدار حجة زواج من زوجة ثانية وعدم مخالفة الشروط المنصوص عليها في المادة (3) بالفقرة (4) و(5) من قانون الأحوال الشخصية
كذلك الزم المشرع المجلس العلمي على عدم المساس بالسنوات السبعة الأولى بخصوص الحضانة وبذلك فان الحضانة الى سن السابعة ستكون من نصيب الام إذا اقتضت المصلحة.
والكثير يتساءل ويقول ما هو مصير هذه النصوص في فترة نفاذ هذا القانون ولحين نفاذ المدونة فان المشرع نص بالمادة (2) فقرة (3) (ز) بإلزام محاكم الاحوال الشخصية بمفاتحة المجلس العلمي واعتماد رأيه في ذلك.
اما في حالة الاختلاف في قضايا النزاع القائمة وهنا قصد المشرع قيام النزاع في الدعاوى وليس في الية ابرام العقود، وهنا نص المشرع على ثلاث حالات حصرا يطبق فيها مذهب (المطلق والموصي والوارث)
وفي غيرها رأي اغلبية الاطراف وفي حالة عدم تحقق الاغلبية فالرأي للمحكمة في اختيار الاقرب الى مبادئ العدل والانصاف.
مع عدم النص من قبل المشرع على رجعية هذا القانون من عدمه وان الاصل عدم رجعية القانون بصورة عامة. الا ما نص عليه صراحة برجعية القانون وهذا ما لم يرد به نص بالتعديل، وبذلك ننتظر رأي محكمة التمييز الموقرة بقولها الفصل في رجعية هذا القانون على ما تم الفصل به سابقا حالة قيام الزوجية او فسخ عقد الزواج بالطلاق او انتهائه بموت أحد طرفي العقد. وهنا التساؤل عن مصير قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل الخاصة بالأحوال الشخصية كالقرار الخاص بالوصية الواجبة بوفاة الابن قبل الاب واستحقاق الاحفاد للميراث بما لا يزيد عن الثلث علما ان هذا القرار يخالف مخالفة صريحة للشرع. وكذلك ما يخص التعويض عن الطلاق التعسفي وحق السكن والسؤال هل ستتناوله المدونة ام سيتم الارتكاز على ما جاء بنص المادة (2) من نص التعديل اولاً. التي اشارت الى عدم جواز العمل بأي نص يتعارض مع هذا القانون
اما في ما يخص الاجراءات القانونية المتبعة لغرض احكام تطبيق المدونة فنرى توجه بعض المحاكم بإصدار حجة وتؤشر في سجل العقد ونعتقد إن الاصح قانونا تقديم طلب استنادا الى نص المادة (1) من التعديل والتي اشارة الى تقديم الطلب وعلى المحكمة ان تصدر امر ولائي على الطلب بأحكام تطبيق القانون وان قرارها قابلا للتظلم والتمييز امام محاكم الاستئناف بصفتها التمييزية، وكان الاجدر ان يحدد القانون جهة الطعن في الحالات الخاصة بأحكام تطبيق المدونة باختيارهما من عدمه بمحكمة التمييز الموقرة ليكون القرار الصادر منها نبراسا لجميع محاكم العراق كون ان القرار الصادر من محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية ملزم للمنطقة الاستئنافية حصرا وبذلك نتلافى صدور قرارات متعارضة او عن طريق طلب في معروض الدعوى اثناء قيام النزاع بين الطرفين و يبت به قاضي الموضوع اثناء النظر في المرافعة. ونستنتج ان هذا التعديل قيد بعض نصوص قانون الاحوال الشخصية وعطل البعض الاخر.
ولكم منا كل الشكر والتقدير والاحترام