المحامي وليد عبدالحسين جبر
قررت محكمة بداءة الطليعة برئاسة القاض” مؤيد رضا شهيد ” بتاريخ ٢٣ / ٦ / ٢٠٢٢ قرار فريد من نوعه ويستحق الدراسة والتعليق والنشر إذ بموجبه ردت الدعوى المقامة من قبل ” مدير بلدية الطليعة اضافة لوظيفته التي ادعى فيها بواسطة وكيله بان المدعى عليه قام بالتجاوز على العقار العائد لموكله وأنه صدر قرار حكم جزائي بحقه من محكمة جنح الطليعة و لاستمرار حالة التجاوز لذا طلب دعوة المدعى عليه للمرافعة والحكم بإلزامه برفع التجاوز حيث اطلعت المحكمة على الإضبارة الجزائية والتي تبين فيها أن المشتكي هو مديرية بلدية الطليعة والتحقيق والمحاكمة وفق أحكام القرار رقم ١٥٤ لسنة ٢٠٠٤ واطلعت المحكمة على قرار الحكم الصادر فيها بعدد الدعوى الجزائية والمتضمن الحكم بالحبس البسيط بحق المتهم استنادا لأحكام الفقرة 1 من البند سادسا / ١ / اولا القرار ١٥٤ لسنة ٢٠٠١ مع ايقاف تنفيذ و اعطاء الحق لدائرة المشتكي بالمطالبة بالتعويض بعد اكتساب القرار الدرجة القطعية وأن القرار لم يتضمن الإشارة إلى رفع التجاوز من عدمه والقرار مكتسب الدرجة المدة القانونية واطلعت المحكمة على قرار الإدانة والحيثيات الواردة فيه والمتضمنة توفر الادلة بحق المدعى عليه وهو قيامه بالتجاوز بمساحة ٢ م على العقار العائد لمديرية بلدية الطليعة وان هذا التجاوز حاصل من العقار العائد للمتهم المدعى عليه في هذه الدعوى و لاحظت محكمة البداءة عدم وجود أي اقرار او اعتراف للمتهم لا في افادته المدونة أمام محكمة التحقيق ولا المدونة امام محكمة جنح الطليعة ، و لإجابة المدعى عليه ووكيله من انه لا يوجد أي تجاوز من العقار العائد له على العقار العائد لدائرة المدعي اضافة لوظيفته .. وطلب رد الدعوى ، وحيث ان المحكمة الأخيرة تبحث في وجود التجاوز من عدمه وتحقق المسؤولية الجزائية بحق المتهم من عدمه وحيث ان هذه المحكمة ووفق ولايتها وفي الدعوى المنظورة يجب أن تبحث في ماهية التجاوز وساحته وحدوده وابعاده ليكون قرار الحكم واضحا وقابلا التنفيذ وبشكل نافي للجهالة لذا قررت المحكمة اجراء الكشف الموقعي والمعاينة حيث وتم اجراء الكشف بصحبة الخبراء المساجين الثلاثة ..والذي وافق عليه وكيل المدعى عليه وطلب اعتماده في الحكم وأن وكيل المدعي إضافة لوظيفته طلب التمسك بحجية الحكم الجزائي بوجود التجاوز وانه لا اعتراض لدى دائرة موكله على ماجاء بتقرير الخبراء المساحين الثلاثة وحيث لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجزائي الا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضروريا وحيث أن الإحكام الجزائية تصدر على وفق تكليف المحكمة الجزائية للفعل المنسوب للمتهم وعلى وفق الادلة المعروضة عليها والمنصوص عليها في القوانين الجزائية الاجرائية والعقابية وبالتالي تحقق اركان المسؤولية الجزائية وهي لا تتوسع عادة في الخوض في تلك الادلة وبخاصة الفنية منها والتي يمكن أن تكون أساس في تحقق المسؤولية المدنية والتي مناط البت فيها وفي صحة تحققها تكون للمحكمة المدنية وان المحكمة الاخيرة وبحكم ولايتها لها ان تتحقق من ادلة الاثبات المدني وأن لا تكون مقيدة بالحكم الجزائي وفي موضوع هذه الدعوى فان ادلة الاثبات بها هو الخبرة الفنية والمعاينة وأن المحكمة توصلت ومن خلال تلك الأدلة الى عدم وجود تجاوز من العقار العائد العقار العائد إلى دائرة المدعي اضافة لوظيفته بالإضافة إلى أن المسؤولية المدنية غير قابلة للتجزئة بعد ثبوت كون أن العقار مملوك على وجه الشيوع إلى مجموعة من الشركاء بتاريخ تحريك الشكوى الجزائية او بتاريخ اقامة هذه الدعوى وحيث انه اذا تعدد المسؤولين عن عمل غير شروع كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر دون تمييز بين الفاعل الأصلي والشريك والمتسبب فتجد المحكمة ان دعوى المدعي موجبة للرد فقررت المحكمة ردها ” وقد أيدت محكمة استئناف بابل هذا القرار وكذلك محكمة التمييز بموجب قرارها المرقم ٤٧٥١ في ١٠ / ١ / ٢٠٢٣ حيث جاء فيه ” الحكم المميز وجد انه صحيح وموافق للقانون ذلك إن الثابت من التحقيقات التي أجرتها المحكمة وتقرير الخبراء الخمسة بعدم وجود تجاوز من قبل المدعى عليه على عقار المدعي إضافة لوظيفته وحيث ان وكيل المدعي إضافة لوظيفته قد اعترض على تقرير الخبراء الخمسة ابتداء ثم عاد وأجاب في جلسة ۲۰۲۲/۷/۲۱ بأنه لا يعترض على التقرير وأقر بعدم وجود تجاوز من قبل المدعى عليه وان التجاوز حصل من قبل المجاور لدار المدعى عليه بالعدد (٦۲۰/۱۷ و (٦٢١/١٧) ولا علاقة للمدعى عليه بالتجاوز وكذلك تم تأييد ذلك بالكتاب الصادر من دائرة المدعي إضافة لوظيفته بالعدد (۲۰۱۷) في ٢٠٢٢/٧/٢٧) المتضمن مطابقة الكشف الذي اجراء مساح البلدية مع تقرير الخبراء الخمسة ومما تقدم فقد ثبت للمحكمة عدم تجاوز المدعى عليه على عقار المدعى إضافة لوظيفته لذا فان الدعوى فاقدة لسندها القانوني وواجبة الرد وهذا ما قضى به الحكم المميز لذا قرر تصديقه ورد الطعن التمييزي وتحميل المميز / إضافة لوظيفته رسم التمييز وصدر القرار بالاتفاق استناداً إلى إحكام المادة (٢/٢١٠) مرافعات مدنية في ٢٠٢٣/١/١٠ م”
وهذا القرار قريب من القرار الذي اصدرته محكمة بداءة السماوة بالعدد ١٩٥١ / ب / ٢٠٢٢ في ١٤ / ٨ / ٢٠٢٢ برئاسة القاضي ( عماد علي عطشان ) حيث جاء فيه ” أن المحكمة تبت في المسؤولية المدنية وفي مقدار التعويض دون ان تكون مقيدة بقواعد المسؤولية الجزائية او بالحكم الصادر من محكمة الجنح ” لذا قررت رد الدعوى و ايدتها بذلك محكمة التمييز بموجب قرارها المرقم ٨٢١٣ في ١٢ / ١٠ / ٢٠٢٢ ”
وهذا اتجاه قضائي جديد يحسب لأساتذتنا قضاة البداءة المذكورين اعلاه في بابل والسماوة وينم عن اجتهاد قضائي سليم في فهم نصوص القوانين وانزالها منزلها الصحيح وعدم التعكز على تحقيقات المحكمة الجزائية لما لمحكمة البداءة من ولاية اوسع في التحقق من ادلة الدعوى المدنية والوصول للحقيقة فيها ، اضافة الى صورة جديدة عن حياد القضاء وعدم انحيازه الى جهة رسمية ضد مواطن و انه فعلا لا سلطان عليه الا للقانون ، كون اننا شهدنا بعض السادة القضاة يقدمون المساعدة والبحث في ادلة لصالح الدوائر الرسمية والوزارات باعتبار انها تتعلق بأموال عامة ، غير ان مهمة القاضي الحقيقية تطبيق القانون بشكله الصحيح وبما يحقق العدالة بين المتقاضين لا الدفاع عن دوائر الدولة اذ انها لها ممثلوها وهو المسؤولون مسؤولية قانونية عن ذلك . في الختام ثار تساؤل بين الزملاء والزميلات في مواقع التواصل الاجتماعي حينما نشرنا قرار محكمة الطليعة في موقع “مسارات قانونية ” عن مصير الحكم الجزائي عند تعارض الحكم المدني ، و اذهب الى ان الحكم المدني بما توصل اليه من تحقيقات وادلة واجراءات يمكن ان يكون سبب في اعادة المحاكمة في الدعوى الجزائية استنادا للمادة (270/ ٤ ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم ٢٣ لسنة ١٩٧١ : “اذا ظهرت بعد الحكم وقائع او قدمت مستندات كانت مجهولة وقت المحاكمة وكان من شانها ثبوت براءة المحكوم عليه”.