لم يكن من المستغرب على نقابة المحامين العراقيين ما جرى في محافظة بابل، بحادثة تبرئة أحد المتهمين بقتل زوجته، بعد الحكم عليه، بناءً على اعترافه على نفسه، جراء التعذيب، و من ثم ظهور الزوجة على قيد الحياة، فنقابتنا تعيش الواقع و تعمل ضمن هذه المنظومة، و قد شخّصنا في مناسبات مختلفة خطورة بعض الحالات و عدد من المراكز أو ضباط التحقيق، و هم يقومون بالأعمال المخالفة للقوانين و الأنظمة و الصكوك الدولية و المعاهدات، في انتزاع الإعترافات بالتعذيب و الإكراه و الضرب و إهانة المتهم، و إدانته قبل أن يكون مدانًا .
إن الدستور العراقي لعام ( ٢٠٠٥ ) قد جرّم جميع أنواع التعذيب النفسي و الجسدي و المعاملة غير الإنسانية، و الحاطة للكرامة، و هذا الفرض الدستوري ينبغي أن تلتزم به جميع الأجهزة الأمنية التي تباشر إجراءات التحقيق بغض النظر عن التهم الموجهة إلى المقبوض عليهم و الذين يتم إيداعهم مراكز التوقيف، فضلاً عن المواد التي تضمنها قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ( ٢٣ ) لسنة ١٩٧١ .
فهل شهد أحدنا سابقًا إخبار المتهم بحقه في السكوت طبقًا لأحكام المادة ( ١٢٣ ) من القانون المذكور؟ بل و كم من الحالات سجلتها المحاكم القضائية حول مخالفة أحاكم المادة ( ١٢٧ ) التي نصت ” لا يجوز استعمال أية وسيلة غير مشروعة للتاثير على المتهم للحصول على اقراره. ويعتبر من الوسائل غير المشروعة اساءة المعاملة والتهديد بالايذاء والاغراء والوعد والوعيد والتاثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير” .
و في سياق الإشارة إلى حقوق المتهم، فإننا نؤكد أن أحد أبرز الأسباب التي تهدر هذه الحقوق، هو عدم إفهام المتهم أنه له الحق في توكيل محامٍ، و تأخير تنظيم وكالات المحامين، و عرقلة إجراءات التوكل .
إن التعذيب وسيلة محرّمة بالعديد من المعاهدات الدولية ولا يعتدّ به، في إثبات الجريمة الواقعة طبقًا لعدم الأخذ بالإعتراف الذي ينتزع بالإكراه، وهذا يتطلّب الإهتمام القضائي و إجراء التحقيقات مع عناصر الأمن الذين يرتكبون هذه الجرائم الإنسانية المحظورة ٱستنادًا لأحكام الدستور العراقي و القوانين النافذة و تمهيداً لتحقيق المساءلة القضائية، حيث أن ذلك يحقق ردعًا قانونيًا قويًا يحول دون ٱستمرار ٱعتماد وسائل التعذيب النفسي و الجسدي لحمل المتهم على ٱعترافات قد تكون كاذبة و تضلل القضاء و تمكّن المجرمين الحقيقيين الإفلات من العقاب .
كما نؤكد على ضرورة ٱعتماد منهج للتحقيق و متابعة جميع حالات التعذيب بكل أنواعها و أشكالها و صورها من قبل السلطات القضائية و المحامين الوكلاء، عن أطراف قضايا التعذيب، و التهديد به و الإهتمام بطلبات المحامين في هذا الشأن، و تأمين ملاحقة العناصر الأمنية التي تقوم بالتحقيقات بما يؤمن المساءلة القانونية و انزال القصاص العادل لما يقترفونه من أفعال تعبّر عن توجه بوليسي خطير .
وفي هذا الإطرار فإننا نكرر طلباتنا السابقة بٱعتماد التحقيق في مكاتب التحقيق الخاصة و التابعة للمحاكم و العمل بالأصل الوارد في قانون أصول المحاكمات الجزائية لا الإستثناء الذي أحالته الأعراف السارية إلى أصل في التحقيق .
و بهذا الصدد فإن نقابة المحامين العراقيين سترفع التقارير إلى الجهات الإنسانية و الدولية طبقًا لتعاونها مع بعثة الأمم المتحدة لتسجيل حالات الإكراه و التعذيب .